ما بين النوايا الجزائرية الغير معلنة لخلق خلق إطار يحل بديلا لمنظومة اتحاد المغرب العربي، والضغوط الأوروبية التي تؤرق تونس وليبيا في ملف الهجرة، التقى قادة الدول المغاربية الثلاث في قصر يوم 22 نيسان الماضي في اجتماع تشاوري حمل بيانه الختامي جملة من القرارات السياسية والأمنية والاقتصادية في محاولة لإعطاء بعض من الثقل والأهمية لهذا الإجتماع الذي يأتي في خضم وضع جيوسياسي مضطرب تملي فيه حرب السودان تحديات أمنية كبيرة على ليبيا باعتبارها جارة حدودية، وهو ما ينبطق أيضا بنفس على الجزائر مع جارتيها مالي والنيجر، لكنه في الحقيقة فإن مخرجات هذا اللقاء التشاوري لا تعدو كونها تكرارا لنفس المفردات والعبارات الرنانة التي عهدنا سماعها في مجالس وقمم وإجتماعات العرب، وربما قد تجلب الكثير من الحرج عندما يتم مناقشة التقدم الذي أحرزه اللقاء الأول هذا في حال ما إذا نجح أصحاب الفكرة في تحويله لتقليد سنوي .
سرعان ما حاول النظام في الجزائر عبر وزير خارجيته أحمد عطاف تصحيح الموقف والتقليل من اللغط الاعلامي الذي صاحب هذا الإجتماع بعد أن وصف بأنه محاولة لاستحداث آلية عمل مغاربي جديدة، حيث حاول هذا الأخير التأكيد على الى أن إجتماع الترويكا لم يقصد منه القفز على منظومة اتحاد المغرب العربي وانما كان وليد ظروف خاصة وأن إعادة احياء فكرة إتحاد المغرب العربي لاتزال قائمة وباب المشاورات يبقى مفتوحا إذا توفرت النية والإرادة السياسية، كلام جميل ولكن وليكون له بعض من المصداقية ألا يفترض أن تتوقف الجزائرعن ايصاد أبواب الحلول الديبلوماسية برفضها القاطع لكل أشكال المبادرات والوساطات لحل الخلاف مع المغرب ؟ أليست الجزائر هي من أكدت أن العلاقة مع المغرب قد وصلت الى مرحلة اللاعودة ؟ وما هي الأسباب الخفية وراء تسميم العلاقات بين تونس والمغرب ؟ أليست قضية الصحراء هي من حولت إتحاد المغرب العربي لمجرد هيكل فارغ؟
قبل عقد من الزمن أجرى الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي جولة مغاربية في إطار مساعي تفعيل اتحاد المغرب العربي ودعى آنداك لوضع إشكال قضية الصحراء جانبا من أجل المضي قدما في تحقيق تكامل اقتصادي يعود بالنفع على شعوب المنطقة، كان المرزوقي متفائلا ومتحمسا وتحدث وقتها عن حصوله على تعهدات من قادة البلدان المغاربية بعقد قمة طارئة لاعادة تفعيل الاتحاد المغاربي، سنوات بعد ذلك عاد المرزوقي ليكشف أسباب فشل مبادرته مؤكدا أن الرفض كان يأتي دائما من القادة الجزائريين المتشبتين بدعم انفصاليي البوليساريو أكثر من أي شيئ آخر .
النظام الجزائري الذي جعل من دعم أطروحة البوليساريو مسألة أقرب لأن تكون قضية داخلية مصيرية مدرك بأن العوائق الموضوعية منذ صدور قرار مجلس الأمن رقم 690 في أبريل 1991 لاتزال موجودة الى اليوم ومستمرة في الوجود لتحول دون إمكانية إتمام عملية إجراء الاستفتاء، ومدرك بأن دخول إسبانيا بصفتها طرف مباشر في الصراع على خط تأييد خطة الحكم الذاتي المغربية لحل نزاع الصحراء له وزنه الثقيل الذي يميل بالكفة نحو الأطروحة المغربية، كما أن التحولات الجديدة في خارطة الطاقة بانضمام موريتانيا إلى نادي الغاز تصب في مصلحة المغرب بما أنه سيكون حلقة الوصل في عملية نقل الطاقة الى أوروبا، ومع ذلك فإن الطبقة الحاكمة في الجزائر مصرة على إضاعة الوقت وإبقاء الوضع على ماهو عليه بل ان مواقفها ستزداد شراسة وعدوانية إتجاه المغرب كلما حقق خطوات أخرى في صالح أطروحته.
انسداد الأفق السياسي والتفاوضي بين الجزائر والمغرب حول ملف الصحراء كان ولا يزال السبب الوحيد والمباشر في تعطيل عمل منظومة اتحاد المغرب العربي لتنتقل أضراره وتشمل المنطقة المغاربية برمتها وتحرمها من آفاق مستقبلية واعدة تقود إلى واقع إقتصادي أفضل يعود بالنفع على شعوب المنطقة، ومع عدم وجود مؤشرات لتحول جذري في الموقف الجزائري من القضية فإن صراع الصحراء سيرهن المنطقة في سباق متواصل نحو التسلح نهايته ستكون وخيمة بدون أدنى شك.